من منا لا يعرف خنفساء فولكس فاغن الصغيرة "أو السلحفاة في سورية" حق المعرفة؟ ومن منا لا يستطيع إلا أن ينحني أمام هيبتها وعظمتها وأسطوريتها على الرغم من تواضعها الكبير؟ فالنجاح الهائل والتاريخ الحافل، كفيلٌ لها بأن نعتبرها أسطورة حية في شوارعنا وسفيرة فولكس فاغن وألمانية في كافة أرجاء المعمورة.

ولكن ماذا وراء نجاح البيتل! فهي لا تتمتع بذاك التصميم الساحر الذي يأسر القلوب، أو تلك المحركات الخارقة التي تلهب الأحاسيس وتأجج المشاعر.... وإنما الغرض منها والوظيفة التي أدتها أفضل تأدية، كانا وراء هذا النجاح الأسطوري، والذي تولّد عنه أكثر من 21 مليون نسخة رائعة من بيتل، جابت وتجوب كل شارع وكل حيّ في مختلف بقاع العالم، لذلك دعونا نتعرف على تاريخها ونتعلم الدروس منها وندرك في الوقت نفسه لماذا سميت سيارة الشعب!.

على غرار المثل القائل ((وراء كل رجل عظيم امرأة!)) دعونا نقول إن وراء كل بيتل رائعة رجل عظيم! فقد بدأت قصة البيتل في 17 كانون الثاني 1934، عندما قام فيرديناند بورشه بكتابة بيان تقديمي يتحدث فيه عن صناعة "سيارة الشعب الألماني"، وفي رأيه فولكس فاغن والتي تعني بالألمانية "سيارة الشعب"، يجب أن تكون ملائمة وموثوقة جداً، وخفيفة بالوزن ومتينة في بنائها وقوية على كافة الطرقات ومريحة في الداخل، وكل ذلك يجب أن يجتمع بسيارة واحدة رخيصة الثمن وبمتناول كافة الشرائح الألمانية.

فكانت النتيجة سيارة فريدة ذات شكل مستدير وبيضوي لا ينسى، وهيكل مصنوع بالكامل من الفولاذ وبأبعاد مدمجة، من قاعدة عجلات بقياس 2.400 مم إلى طول عام يبلغ 4.079 مقابل عرض بقياس 1.539، وعدة محركات خلفية التوضّع، أبرزها وأكثرها انتشاراً مؤلف من 4 أسطوانات متقابلة بشكل أفقي "منبطحة" وبسعة 1.5 لتر ويولد 54 حصاناً عند 4.200 دورة في الدقيقة، تُنقل طاقته إلى العجلات الخلفية، وصندوق أمتعة أمامي ومقصورة صغيرة تتسع لعائلة بحجم البيتل، وهذه السيارة الثورية والمعيارية بالنسبة للألمان، تم تصميمها في مدينة شتوتغارت، وفي العام 1936 تم استكمال النموذج الأول منها، وتم إنتاج ثلاثة نسخ اختبارية من فئة V3، قطعت أكثر من 50.000 كم في اختبار تحمّل استمر شهرين كاملين.

وبعد إضافة التعديلات اللازمة، واستقطاب فرديناند لمهندسين ألمان مهاجرين من مصانع السيارات الأمريكية، أجريت اختبارات تحمّل أخرى على 30 نسخة VW30، وأصبحت السيارة جاهزة للإنتاج التجاري في العام 1938، تماماً كسيارة صنعت لتعيش!.

"بيتل رقم واحد"

وفي شهر أيلول من العام 1939، اندلعت الحرب العالمية الثانية وتحول إنتاج سيارة البيتل من مدني إلى إنتاج عسكري، ما غير منحى مستقبلها وجعلها أكثر صلابة وشراسة، وأجبرها على التعايش مع كافة الظروف المحيطة وكافة الطرقات، سواء في الصحراء مع الحرارة الحارقة أم في الجبال الثلجية مع البرد القارس، وفعلاً لم يوقفها شيء كما لم يوقف طموحات أدولف هيتلر شيء.

"بيتل استخدمت في الحرب العالمية الثانية"

وفي آب من سنة 1945 بعد سقوط ألمانية بيد الحلفاء، قامت السلطات البريطانية التي أدارت مصنع البيتل حتى 1949، بتكليف المصنع بإنتاج 20.000 وحدة، وفي كانون الأول 1945، بدأ إنتاج السيارة على نطاق واسع بعد تنظيف مصنع عند قناة الميتلاند، من ويلات الحرب وتجهيزه بعمال مختصين حوّلوا الفوضى إلى عمل غاية في التنظيم! ولم يدركوا أن معاناتهم اليوم ستتحول إلى أسطورة في المستقبل القريب. وكان العام 1946 محطة أولى لذلك مع نمو الإنتاج، تلاه بدء تصدير البيتل في آب من العام 1947، إلى هولندا ثم بلجيكا فالدنمارك ولوكسمبورغ والسويد وسويسرا وباقي أوروبة، ولم تتطئ أقدام البيتل بلاد العم سام إلا في العام 1949 لتفتح هناك صفحة جديدة من النجاحات.

وفي نفس العام "1949" احتفلت الشركة بـ 50.000 بيتل تجوب الشوارع، إذ كان وراء هذا الإنتاج الكبير المدير الناجح "هينريخ نوردهوف" الذي عزّز بنجاحه وقربه من موظفيه والعملاء والمبيعات وعلاقات شركته الطيبة في الأسواق، من مكانتها كأكبر صانع في أوروبة.

وتوالت المبيعات الكبيرة للبيتل الناجحة، وتم في العام 1955 الاحتفال بإنتاج النسخة رقم 1.000.000 من بيتل، إذ كان معدل إنتاجها السنوي قد وصل لحاجز الـ 280.000 سيارة، ثم كبر أكثر ليصل إلى 700.000 وحدة وأكثر، حتى كسر حاجز المليون في سنة 1965.

"بيتل رقم مليون... من الذهب"

وفي العام 1967، تم إنتاج سيارة بيتل رقم 10.000.000، من خلال خمسة مصانع في ألمانيا هي: هانوفر، كاسل، برانسويك، إمدن، ومصنع ولفسبورغ الأساسي.

وتعدى إنتاجها عتبة الـ 16 مليون وحدة بحلول العام 1973، وكانت البيتل وقتها قد خضعت لعدة تعديلات بسيطة على تصميمها الخارجي، وشهدت إنتاج نسخة مكشوفة منها، واستمر العطاء الكبير حتى العام 1992 مع 21 مليون سيارة، وبدأ منحني الإنتاج عندها بالانحدار حتى توقف في العام 2003 في المكسيك مع 21.529.464 وحدة من بيتل الأصلية منها 330.251 مكشوفة، بينما انتشرت مصانع بيتل في 16 مصنع حول العالم.

لقد سادت سيارة البيتل الرائعة على الصورة العامة للفولكس فاغن، وكانت خير مثال على السيارة الألمانية، وساهمت بشكل أو بآخر بنقل ثقافة ألمانية الصناعية إلى العالم، وذلك بفضل اعتماديتها العالية، فكم من عائلة استقلت بيتل وكم من عائلة تنقلت بها في مختلف البقاع. في حين كانت شهرتها لا تقتصر على عالم السيارات فقط، إذ انسحبت إلى الإعلانات التجارية والموضة والأزياء والفن... وكافة مجالات الحياة!

"آخر نسخة بيتل خرجت من مصنعها بالمكسيك في 30 تموز 2003"

أما عملية التطوير الثوري على البيتل، فكانت في العام 1998 مع الجيل الجديد كلياً، والذي بُني انطلاقاً من قاعدة عجلات MK4 لوريثة بيتل سيارة الغولف في جيلها الرابع، غير أنها أصبحت على نقيض من البيتل الأصلية، بسبب تزويدها بمحرك أمامي ونظام شد أمامي وصندوق أمتعة في الخلف، بينما حاكت بشكل كبير في تصميمها بيتل السابقة وتميّزت عنها بالأناقة والعصرية والجمال اللافت، حتى نالت جوائز عديدة. وأضافت كماً هائلاً من التقنيات والتجهيزات المتطورة لها، ولكنها بصراحة لم تتمكن من الإقناع أو تحقيق نصف النجاح الذي حققته بيتل الأصيلة! لأنها لم تك سيارة شعب حقيقية؟!   

خاص بموقع فنّات.كوم