استطاع أبناء حلب على الدوام إحراز
قصب السبق في ابتكار وإدخال صناعاتٍ فريدةٍ ومنافسةٍ إلى المجتمع السوري. وكانت
صناعة تعديل السيارات إحدى هذه العلامات الحلبية، التي أخذت تلفت أنظار عشَّاق
السيارات في الدول المجاورة وما هو أبعد من ذلك.
واستوعب الحلبيون بمهارةٍ حرفة تصليح
السيارات، بعد أن اختص الأرمن فيها لفترةٍ طويلةٍ من الزمن. الذين أدخلوا صناعة
تعديل السيارات المستعملة عندما كان شراء سيارة أشبه بالحلم، لتنتشر ورش تعديل
السيارات في مختلف مناطق المدينة، ويستوي في ذلك الحرفي صاحب الورشة ومدير الشركة
الصناعي الذي يُشغِّل عشرات العمال.
من تعديل السيارات إلى
تركيب فتحات السقف!
محمد داود حرفي في تصليح هياكل
السيارات (صوّاج)، ورث حبَّ السيارات والرسم عن والده الذي كان معقب معاملات. ولكن
الابن وجد في التعامل مع هياكل السيارات ما يشبع له كلا الهوايتين، لينتقل من
مراحل الصيانة والإصلاح إلى تفصيل الهيكل بالكامل بما فيها الأبواب وتركيب فتحات
السقف، مؤكداً أن عمله يتطلب مهارةً عاليةً لأنه يعمل وفقاً لطرقٍ وحساباتٍ
هندسيةٍ صحيحة لا تحتمل الخطأ.
"محمد داود في ورشته أمام سيارة جاكوار تعرضت لحادث"
وخلال عقد الثمانينات والسبعينات كان
محمد يصنع هياكل كاملةً للسيارات وبأعدادٍ كبيرة، ولكن السماح باستيراد السيارات
وتتالي عروض البيع والتقسيط جعل من شراء سيارة أقل تكلفةً من إعادة صناعة هيكلها،
ليقتصر عمله حالياً في تعديل السيارات على إصلاح وصيانة هياكل السيارات، وتركيب أو
إصلاح فتحات السقف.
ويضيف محمد أن الطلبات التي تأتيه
لتركيب فتحات سقف في مجملها ذات نظام كهربائي، إذ لا أحد يريد تركيب فتحةً يدويةً.
وأغلبية زبائنه هم من الشباب في السيارات المتوسطة والشعبية ويصبحون من جميع
الأعمار في السيارات الفخمة بمختلف القياسات ما عدا البانورامية منها، بسبب عجز
معمل الزجاج عن إنتاج لوح زجاجي ذا انحناءةٍ تشابه تلك الموجودة في سقف السيارة.
"زجاج لفتحات السقف جاهز للتركيب"
ويستخدم محمد الميكرومتر في قياس
أبعاد لوح السقف ومنشاراً كهربائياً لقص السقف المعدني، مع توخي الدقة ليتم تركيب
اللوح حسب القياسات والمكان الذي اختاره الزبون، والذي لا يقتصر على الأفراد، إذ
يؤكد محمد أن عدداً من وكالات السيارات ترسل له بسيارات عملائها لإصلاح فتحات
أسقفها أو لترميم هياكلها!.
وبالعودة إلى هياكل السيارات يعتبر
محمد أن غطاء المحرك وصندوق الأمتعة والسقف هي أصعب أجزاء الهيكل لدى إصلاحها،
لخلوها من عوارض معدنية في قسمها السفلي، ما يتطلب من الفني الانتباه الشديد عند
معالجتها كيلا تتهشم أو يصاب سطحها الخارجي بشروخ.
ويفضل محمد العمل في هياكل السيارات
الألمانية على غيرها إلى درجة الاستمتاع عند إصلاحها بسبب التقنية العالية
المتطورة المستخدمة في تصنيعها، إلى جانب متانتها ودقة قياساتها. ولا ترقى إليها
برأيه هياكل السيارات الكورية أو حتى الأوروبية واليابانية على الرغم من أنها
مقسّاةٌ ومصنوعةٌ بدقةٍ عالية، فيما تفتقر الهياكل الصينية إلى التقنية الحديثة والجودة
في التصنيع.
ويخالف محمد الرأي السائد في تفضيل
هياكل السيارات القديمة على الحديثة، ويسخر ممن يصفها بالهياكل الكرتونية أو
التنكية!. ويؤكد أن هياكل السيارات الحالية تحتوي على خلطاتٍ تتألف من عدة مواد
تحقق لها المتانة والصلابة والحماية ضد الصدأ، وفوق ذلك تتصف الهياكل الحالية
بالطراوة ما يساعدها على تحمل الصدمات وتوزيعها على مختلف أجزاء السطح ما يخفف من
أثرها على السائق والركاب في المقصورة، ثم أن قاعدة العجلات (الشاسيه) زادت
متانتها عما كانت عليه سابقاً بعد حقبة الثمانينات عندما بدأت شركات تصنيع
السيارات في دمج قاعدة العجلات مع الهيكل، ولكن التدعيم الداخلي لأبواب السيارة في
الماضي كان أفضل مما هو عليه الآن.
ويؤكد محمد أن مهمة إصلاح وصيانة
الهياكل ازدادت صعوبةً عما كانت عليه في الماضي، لأن الهياكل الحديثة ازدادت رقتها
عما كان عليه سابقاً، وبالتالي يحتاج التعامل معها إلى المزيد من الحذر والدقة،
ولكنه من جهةٍ أخرى يشير إلى أن تصميم هياكل السيارات الحديثة زاد من متانة الهيكل
وقاعدة العجلات.
ومن بين الطرازات الحديثة يعتبر محمد
هيكل سيارة شام جيداً ومتيناً وأفضل مما كان يتوقعه، ولكنه يتكون من الحديد الخام
ويفتقر إلى الخلائط التي تتميز بها الهياكل الحديثة.
ويفتخر محمد بإنجازاتٍ في مهنته حملت
شهرته إلى خارج حلب، ويستذكر كيف قام في منتصف ثمانينات القرن الماضي بتعديل سيارة
بيك أب شفروليه سيلفرادو، عبر تغيير الأبواب والجوانب ولوحة القيادة والمكيف لتصبح
بيك أب كابريس!.
مع الفيبر لن تعرف
سيارتك!
هنالك من أبناء حلب من انتقل بحرفة
تعديل السيارات من نظام معلم الورشة إلى العمل المؤسساتي، وسعى لإدخال التنظيم
والتطوير لهذه المهنة، ويعدُّ عزيز شربل توتونجي مثالاً ناصعاً على ما سقناه،
عندما أسَّس بالتعاون مع أخيه أول شركة في حلب اختصت بتعديل هياكل السيارات
وصيانتها.
"عزيز توتونجي في مكتبه"
ويقول عزيز أنه بدأ بتأسيس شركة
توتونجي لتعديل السيارات في العام 1996، ولم تكن خدمة الإنترنت متوافرة حينها فعمد
إلى الإطلاع على المجلات الأوروبية المختصة بتعديل السيارات واقتباس التصاميم التي
تعرضها وتنفيذها محلياً، عبر استخدام موادٍ معدنيةٍ في تعديل الهيكل ليستخدم
لاحقاً مادة الفيبر المطابقة للمواصفات العالمية يتم تصنيعها في معمل خاص يتبع
للشركة.
وعند المقارنة بين استخدام المعدن
(الصاج) والفيبر في تعديل الهيكل وإضافة زوائد تجميلية، يجد عزيز أن الأول غير
مقاومٍ للعوامل الجوية ويتآكل بفعل الرطوبة، كما أنه يحتاج إلى معالجةٍ لسطحه بعد
التركيب، ويشترط عدة أمور لتركيبه فضلاً عن وزنه الثقيل، في حين أن الفيبر ذا وزنٍ
خفيف ولا يحتاج إلى براغي لدى تركيبه، كما أن فكه سهلٌ وله عدد كبير من
الإيجابيات.
"عوادم سيارات متوفرة لدى شركة توتونجي"
ويشرح عزيز تخصص شركته الأساسي في
تركيب أجزاء إضافية على هيكل السيارة الخارجي وتشمل مختلف أقسامه بما فيها تركيب
عوادمٍ إضافية، وفي تركيب أبواب سيارة تفتح بشكلٍ عمودي للأعلى وتركيب فتحات
للسقف، وتركيب غطاء بلور لمحرك السيارة!، ويؤكد أن تعديل السيارة يرفع من سعرها
ويزيدها جمالاً حتى أن صاحبها لن يعرفها للوهلة الأولى!.
وتتعامل الشركة مع السيارات المحطمة
جراء تعرضها لحوادث السير، عبر إعادتها لوضعها الأصلي أو تعديله كلياً أو جزئياً.
وتتعاون شركة توتونجي مع شركاتٍ
إيطاليةٍ وألمانيةٍ وكوريةٍ متخصصةٍ في تصاميم تعديل السيارات، إذ أنَّ لكل طرازٍ
أشكال تعديلٍ مختلفة، تراعي شكل السيارة الخارجي الأصلي وتحقق انسيابيتها، وبعد أن
يتم التقاطع بين هذه الأشكال وبين رغبة الزبون يتم عمل تصميمٍ أولي عبر برنامجي
فوتوشوب وكوريل درو، يوضع للتنفيذ لدى الورشات بعد موافقة الزبون على الشكل الذي
ستصبح عليه سيارته.
وتتعدد مراحل التعديل حسب رغبة
الزبون، ومن الممكن أن تشمل تعديل الهيكل والدهان الحراري وتركيب كامل الفرش. وعند
خروج السيارة من الفرن الحراري في الشركة تكتسب لوناً جديداً، وتخضع في نهاية
المطاف إلى سلسة تجارب للتأكد من فعالية التعديلات التي لحقت بالسيارة قبل تسليمها
للزبون.
وإذا رغب الزبون بتركيب أبوابٍ
عموديةٍ لسيارته، يتم نزع جانب الهيكل الأمامي أو ما يطلق عليها بلغة السوق
"الفخد"، وفك الباب القديم ومفصلاته ثم تركيب مفصلات الباب العمودي دون
الحاجة إلى استخدام التوصيلات اللحامية، ثم يَعمد فني الكهرباء إلى زيادة طول
الأسلاك الكهربائية المستخدمة في المرايا الخارجية وفي نوافذ الأبواب، وتُركب
الأبواب العمودية وتتم معايرتها مع تركيب جانب الهيكل، ولا تستغرق هذه العملية
أكثر من يومٍ واحدٍ ويمكن إعادة تركيب الأبواب العادية بسهولة، وتكفل الشركة هذه
الأبواب لمدة تزيد عن 3 سنوات.
وللشركة تجربةٌ يتيمةٌ في تعديل
السيارات الكلاسيكية. ولا يرغب عزيز في إعادتها لأنها استغرقت سبعة أشهر عانى فيها
كثيراً في الحصول على قطع أصلية للسيارة كي لا تفقد قيمتها الأثرية.
هذه الشهرة انتقلت من حلب إلى سائر
المحافظات، فأسست الشركة وكالات لها في عدة محافظات كما تعاملت مع عملاء من تركية
والسعودية ودبي ومصر وحتى ألمانيا!.
لكن لهذا النجاح جوانبٌ أخرى مزعجة،
تتعلق بالقوانين التي تلاحق السيارات المعدلة لأنها غيّرت مواصفاتها المسجلة في
رخصة السير، ما يجعل الكثيرين ينفرون من تعديل سياراتهم ولو أعجبتهم الفكرة.
للحلبيين الحق بأن يفخروا على أبناء
جلدتهم السوريين بتفوقهم في الصناعة وبريادتهم لجميع أبوابها، أو عندما يتباهون
بأن مدينتهم هي بمثابة ألمانيا صغيرة داخل سورية، ليكرس ذلك ثقلاً صناعياً في
الشمال يوازي ثقلاً تجارياً دمشقياً في الجنوب.
وأخيراً ندعكم مع صور لسيارات معدلة
من قبل شركة توتونجي، فما رأيكم بتعديل السيارات؟
"مراحل تعديل طراز 206"
"صورة على برنامج معالجة الصور يتم العمل على نسخها بواسطة
المعجون"
"عندما يصبح المعجون جاهز يتم أخذه إلى المعمل لصنع قوالب من
الفيبر"
"كيف تتحول الكورفيت إلى فيراري!"
"BMW ألمانية تعديل سوري!"
"تعديلات متفرقة"
"العدة المستخدمة في تركيب الأبواب المجنحة"
خاص بموقع فنّات.كوم