مرت الشركات الأمريكية المصنعة للسيارات (جنرال موتورز وفورد وكرايسلر)
والتي سطرت عبر تاريخها صفحات ذهبية من خلال طرازات وتصاميم وشخصيات لسياراتها
طبعت تاريخ بلاد العم سام، بفترة فراغ وضياع خلال السنوات الماضية، ووصلت إلى حد
المرض والإفلاس وكادت أن تندثر شخصيتها وتضيع ما بين الإرث الأوروبي العريق والمد
الآسيوي الكاسح.
وإن استطاعت بعض الأسماء الأمريكية رسم شخصية جيدة لها في عصر الفتور
ما بين نهاية تسعينات القرن الماضي وآواخر العقد الأول من القرن الحالي، فذلك يعود
فضله لأفرعها الخارجية، كفورد التي كانت بحال أفضل من غريمتيها جنرال موتورز
وكرايسلر من خلال اعتمادها على فرعها الأوروبي الذي نجح بامتياز في خلق صورة
عالمية نيرة لفورد، مع طرازات كمونديو
وفوكس وفييستا
التي جرى تطويرها في أوروبا، مع وجود بعض الاستثناءات ككاديلاك بشكل محدود.
ولم تعان شركات ديترويت من شخصيات طرازاتها فحسب، بل أنها في السنوات
السابقة لم تواكب الأوروبيات والآسيويات عبر الجودة والاعتمادية والمحركات المتطورة
والتقنيات الحديثة.
ولكن ما هي الأسباب التي كانت وراء ضعف صناعة
السيارات الأمريكية في فترة الركود؟
هنالك عدد جيد من الأسباب التي برأينا أثرت وبشكل كبير في شركات
ديترويت أبرزها:
-
الانغلاق
على السوق والفكر الأمريكي الصرف، عبر تطوير طرازات كبيرة من الخارج وصغيرة من
الداخل نسبياً وبمحركات كبيرة السعة وضعيفة الاستطاعة نسبياً ونهمة للوقود، مع
مقصورات يغيب عنها الاعتناء بالتفاصيل، في وقت كانت الشركات الخارجية المنافسة تتطور
بشكل كبير وتزيد حصتها عالمياً وفي السوق الأمريكية.
-
الضياع ما
بين العلامات الكثيرة التي تمتلكها كل شركة سواء في أمريكا أو خارجها، مما شتت
التركيز وزاد التكاليف وتسبب بضعف جودة السيارات وتفردها.
-
مخاطبة
الأسواق العالمية بطرازات خاصة بها، ففورد فوكس مثلاً كانت تُصنع بنسختين نسخة
أوروبية ونسخة أمريكية، وهذا يرفع من تكاليف التطوير ويخفض من جودة المنتج وتميزه.
-
الدخول في
تحالفات غير مجدية ككرايسلر التي كادت
أن تضيع مع مرسيدس وجنرال موتورز التي تحالفت مع فيات بشكل
غريب.
وهذه الأسباب وغيرها من عوامل اقتصادية أدت بالفعل إلى "انهيار"
صناعة السيارات في الولايات المتحددة الدولة الأكثر تأثيراً في هذه الصناعة، عبر
شركاتها التي سيطرت على عالم السيارات لعدة عقود وسوقها الأكبر عالمياً لأكثر من
قرن وغيرها... وأعلنت عميدة صناعة السيارات في العالم جنرال موتورز إفلاسها في العام 2009 وكرايسلر أيضاً، ولولا قوة الحكومة الأمريكية
والتدخل الخارجي لكان حال هاتين الكبيرتين سيئاً هذه الأيام، فضلاً عن اتخاذ عدة
تدابير سمحت بنهوض جديد لهذه الصناعة.
كيف استطاعت الشركات الأمريكية العودة إلى أوجها؟
تعلمت الأمريكيات دروساً في فترة ركود صناعة السيارات في بلاد العم سام،
واتخذت عدة خطوات في سبيل عودة المجد، أبرزها:
-
بناء شخصية
تصميمية تليق بكل اسم لرسم صورة براقة للعلامات الأمريكية.
-
التخلص من
معظم العلامات الأمريكية وغير الأمريكية التي كانت تمتلكها شركات ديترويت، ففورد تخلصت من جاكوار ولاند روفر وفولفو وحصة
كبيرة من مازدا وصفت
ميركوري، وجنرال موتورز صفت كل من بونتياك
وهمر وساتورن ودايو
وتخلصت
من ساب وخفضت علاقتها وأسهمها في سوزوكي وايسوزو وسوبارو.
-
الدخول في
تحالفت مفيدة، فبعد أن كادت تصبح مجموعة كرايسلر (كرايسلر ودودج وجيب) من الماضي،
دخلت في راعية
وملكية مجموعة فيات التي برهنت بأنها الحليف المثالي ونقيض
مرسيدس، فالمجموعة الأمريكية تمر في فترة ذهبية برعاية الإيطالية التي نجحت في إعادة
هيكلتها وطرح طرازات مميزة.
-
العاملان
السابقان سمحا بتفرغ الأمريكيات لأنفسهم والتركيز على البيت الداخلي وترتيبه.
-
توحيد
الطرازات عالمياً وطرح طراز واحد في الفئة الواحدة لجميع الأسواق العالمية عوضاً
عن عدة طرازات.
-
تطوير
عائلات محركات جديدة ومتطورة واقتصادية في استهلاك الوقود وتولد استطاعات عالية، كايكوبوست من فورد وبينتاستار
من كرايسلر.
-
التركيز
على غزو الأسواق النامية، ففورد
تطورت أعمالها بشكل كبير في الهند مثلاً في السنوات القليلة
الماضية وجنرال موتورز تنعم بحصة كبيرة في السوق الصينية بفضل تركيزها على هذه
السوق.
ومن خلال هذه الخطوات وغيرها تحسنت بشكل ملحوظ السيارات الأمريكية، ونجحت
الطرازات الجديدة التي رأيناها من هذه الشركات مؤخراً في جذب الأنظار إليها وإعادة
تسليط الضوء على السيارات التي تطورها شركات العم سام، وعادت طرازات الشركات
الأمريكية إلى مراتب الطليعة بين منافساتها الأوروبيات والآسيويات.
خاص بموقع فنّات.كوم